“أ. بشير قوجة” عضو في الحركة الوطنية السورية
في خطوة لافتة تحمل في طياتها أبعادًا سياسية وإنسانية، نجحت وساطة الرئيس السوري “أحمد الشرع” خلال زيارته الأخيرة إلى دولة الإمارات في الإفراج عن رجل الأعمال السوري “مهند فايز المصري” المعتقل هناك منذ ٦ سنوات.
هذا التحرك لا يُعد مجرد إنهاء لقضية رجل أعمال، بل إشارة واضحة على تحوّل جاد في سياسة الحكومة السورية الجديدة تجاه أبنائها في الخارج.
الإفراج عن المصري، الذي أُوقف في ظروف سياسية معقّدة، شكّل رسالة أولى مفادها أن السوريين لن يكونوا وحدهم في وجه الأزمات، وأن الحكومة الجديدة مستعدة للتدخل حين يقتضي الواجب الأخلاقي والوطني، لكن هذه الخطوة رغم رمزيتها يجب ألّا تكون معزولة عن بقية ملفات المعتقلين السوريين، الذين ينتظرون من الرئيس الشرع وحكومته مواقف أكثر جرأة وحسمًا.
مأساة معتقلي رومية.. نداء من خلف القضبان
في سجن رومية اللبناني، يتواصل إضراب عدد من المعتقلين السوريين عن الطعام في واحدة من أشد صور القهر والغياب الإنساني، هؤلاء المعتقلون السياسيون الذين احتُجزوا في ظروف صعبة إبان سنوات الحرب، يوجّهون نداءات استغاثة متكررة للحكومة السورية الجديدة مطالبين بإطلاق سراحهم أو إعادتهم للوطن ومحاكمتهم وفق معايير قانونية عادلة.
هذه النداءات والاضراب عن الطعام يجب أن يُقابل بتحرك رسمي سريع وفتح قنوات دبلوماسية مباشرة مع السلطات اللبنانية من أجل إنهاء هذا الملف، فكما أن الإفراج عن رجل أعمال بارز يُعد موقفًا وطنيًا شجاعًا، فإن إنقاذ من ضحوا بحريتهم من أجل كلمة أو موقف سياسي، هو واجب وطني وأخلاقي لا يمكن تجاهله.
سجون إدلب.. الملف الأكثر تعقيدا
كذلك الحال في سجون إدلب، حيث يحتجز المئات من المعتقلين بينهم ناشطون، إعلاميون، وأطباء، احتجزوا بسبب مواقفهم السياسية أو نشاطهم المدني.
هؤلاء المعتقلون يواجهون ظروفًا إنسانية صعبة دون محاكمات أو تهم واضحة، تبقى ملفاتهم من الملفات الأكثر حساسية ويتوجب على الحكومة الجديدة بقيادة الشرع أن تفتح هذا الملف بكل شجاعة، ضمن مسار حوار وطني شامل، لا يُقصي أحدًا.
فلا يمكن لأي مشروع سياسي حقيقي أن ينجح في سوريا المستقبل دون الإفراج عنهم، وإعادة الاعتبار لمن طالبوا بالحرية، وتحملوا سنوات الاعتقال والملاحقة.
حرية الرأي.. أساس الدولة الحديثة
لا يمكن بناء سوريا الجديدة التي يحلم بها السوريون، دون الاعتراف الكامل بحرية الرأي والتعبير السياسي.
هذه الحرية ليست منّة من أحد، ولا مكافأة توزّع حسب الولاءات، بل حق أصيل لكل مواطن، من حق كل سوري أن يعارض، أن يطالب، أن يحتج، دون أن يخشى الاعتقال أو المطاردة.
الدولة القوية هي تلك التي تحمي حق معارضيها في التعبير، وتفتح أبواب قاعاتها السياسية للجميع، لا التي تحتكر السلطة وتغلق أفواه المختلفين. ولعل الخطوة الأخيرة بالإفراج عن المصري، يجب أن تتبعها خطوات أعظم تجاه ضمان حرية الفكر، ورفع القيود عن الصحافة المستقلة، وتشريع قوانين تحمي الناشطين والمعارضين السلميين.
آن أوان الشجاعة السياسية
المطلوب اليوم من حكومة الشرع أن تبني على ما بدأته في قضية مهند المصري، وتوجّه وفودًا دبلوماسية إلى العواصم المعنية، وتنشئ لجنة وطنية خاصة بمتابعة ملفات المعتقلين في الخارج.
فحرية السوريين، جميع السوريين، هي معيار صدق أي مشروع وطني.
إنها لحظة اختبار حقيقية، بين أن تكون حكومة تُنصت فقط لصوت القوي، أو حكومة تسترد كرامة المواطن البسيط قبل كل شيء.