تداعيات الانسحاب الأمريكي من العراق وأثره على قسد
في تصريحات سابقة قال رئيس الوزراء العراقي” محمد شياع السوداني”، إنه لم تعد هناك حاجة لوجود القوات الأميركية في بلاده لأنها نجحت إلى حد كبير في هزيمة تنظيم الدولة “داعش”، وإنه يعتزم الإعلان عن جدول زمني لانسحابها في وقت قريب، وأضاف السوداني في مقابلة مع تلفزيون بلومبيرغ إنه ”لم تعد المبررات موجودة، ليس هناك حاجة لوجود تحالف وعراق 2024 ليس عراق 2014، لقد انتقلنا من الحروب إلى الاستقرار، داعش لم تعد تمثل أي تحد حقيقي“، وفق تعبيره، وكشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن خطة أميركية تسمح لقادة العراق بـ “الادعاء أنهم أنهوا وجود تحالف القوات الأجنبية”، لكن القوات ستبقى مع الإدارة الأميركية المقبلة، و نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين أميركيين، أن بغداد وواشنطن توصلتا بالفعل لاتفاق يقضي بانسحاب القوات الأميركية وقوات التحالف من العراق بحلول نهاية 2026، وهذه الخطوة التي طالب بها الفصائل المسلحة العراقية وتضغط على الحكومة بشأنها سيكون لها تأثير على حلفاء واشنطن في المنطقة خصوصا قسد، وقالت الصحيفة الأميركية أن مئات من أفراد هذه القوات المتمركزة في بغداد ومناطق أخرى في العراق ستبدأ المغادرة بحلول أيلول 2025، ثم تنسحب القوات الموجودة في مدينة أربيل بنهاية عام 2026، وتعتمد “قسد” بشكل مباشر على الدعم الأميركي لحماية وجودها شمال شرقي سوريا، فيما منعت واشنطن أي تحرك تركي ضدها خلال السنوات الماضية، وبناء على ذلك، سيحمل الانسحاب الأميركي من العراق تأثيرًا مباشرًا على “قسد” في ظل التقارب بين أنقرة وحكومة نظام الأسد، ورغم أن الحديث عن الانسحاب الأميركي من المنطقة يدور حول العراق تحديدًا ولا يشمل القوات الأميركية الموجودة في سوريا، فإن وجود قواعد عسكرية أميركية يعني تقديم الدعم بشكل كبير لـ”قسد” في حال وجود أي تهديدات، خاصة مع تزايد الحديث حول اتفاق مقبل بين حكومة نظام الأسد وأنقرة، لإنهاء “قسد” شمال شرقي سوريا، كما تتعرض :قسد” لهجمات من أبناء المنطقة الأصليين من قوات العشائر العربية ومناوشات بين فترة وأخرى وتدخلت القوات الأميركية مراراً لدعم حلفائها في قسد ومنع الهجمات عليهم، وذكر مسؤول كبير في الإدارة الأميركية، إن الخطوط العريضة لخطة الانسحاب اكتملت، ولا تزال بعض التفاصيل النهائية بحاجة إلى تسوية مع أعضاء آخرين في التحالف، ومن المرجح أن تبقى قوة أميركية صغيرة بصفة استشارية، ودعم لوجستي للقوات الأميركية المتمركزة في سوريا بموجب اتفاقية أمنية ثنائية جديدة، الأمر الذي دفع “قسد” إلى مغازلة المعارضة السورية، وظهر ذلك في تصريحات ” مظلوم عبدي “زعيم “قسد” حول الانفتاح على المعارضة السورية في إدلب، ووفق المعلن، تستمر فترة الانسحاب لعامين تقريبًا، وخلال هذه الفترة الزمنية الطويلة قد تتغير الظروف الميدانية مع ارتفاع الاستقطاب في المنطقة واستمرار وجود تنظيم داعش، واحتمالية حصول خروق أمنية وزيادتها في العراق، ما يدفع قوات التحالف للاستنفار وإعادة جدولة الانسحاب.
قسد تغازل المعارضة السورية في إدلب
أعلن مظلوم عبدي، القائد العام لميليشيا ”قسد”، انفتاحه على الحوار مع “الأطراف الوطنية” في إدلب، مؤكدًا التزامه بدعم النازحين من شمال غربي سوريا، وجاء ذلك خلال اجتماعه مع فصيلي “جيش الثوار” و”لواء الشمال الديمقراطي”، حيث أشار إلى أن الحل السياسي الشامل في سوريا يجب أن يتم عبر الحوار بين القوى الوطنية، وأكد عبدي استعداد “قسد” لدعم أي جهود لحل القضايا المستمرة، واصفًا مناطق شمال حلب وشرقها بـ”المحتلة” بسبب وجود فصائل “الجيش الوطني” المدعومة تركيًا، ومنذ منتصف العام الحالي، كررت “قسد” ومظلتها السياسية الإدارة الذاتية إبداء انفتاحها على الحوار مع جميع الأطراف، بمن فيهم تركيا، ونظام الأسد، والمعارضة، وسبق أن أكد مظلوم عبدي، في 20 تموز الماضي، إنه مستعد للحوار مع جميع القوى، بما في ذلك تركيا، مبديًا استعداده لدعم أي حوار يؤدي إلى وقف القتال والحل السياسي لـ”الأزمة”، وسبق ذلك حديث عبدي عن تقبله الحوار مع جميع الأطراف حتى في مناطق سيطرة المعارضة السورية المدعومة تركيًا، وكما سبق أن نشرت جريدة الأخبار تقريراً في 15 تموز 2023 محاولات «قسد» للانفتاح على المعارضة من أجل إنهاء «العزل السياسي» بدأت «قسد» أيضاً ويذكر قسد تحاول إعادة تنشيط الحوار الكردي – الكردي، يعتبر فصيل “جيش الثوار” أحد الفصائل العسكرية السورية المسلحة المتحالف مع “وحدات حماية الشعب” (حجر الأساس في “قسد” ومدرجة على لوائح الإرهاب التركية)، ويشكّل جزءًا من قوام “قسد”، ومع الإعلان عن تأسيس الأخيرة عام 2015، كان هذا الفصيل من التشكيلات التي تصدرت البيان التأسيسي لـ”القوات”، وفي عام 2014، انضم الفصيل للواء “أحرار سوريا” ثم انضم إلى “جبهة ثوار سوريا” وأصبح في نهاية المطاف جزءًا من “جبهة الإنقاذ” بحلول أيار 2014، كما شارك في الاقتتالات الداخلية بين فصائل “الجيش الحر” و”جبهة النصرة” (هيئة تحرير الشام حاليًا)، وقد شكل “لواء الشمال الديمقراطي” في محافظة إدلب عام 2013 وكان في الأصل يُعرف باسم “لواء القعقاع”، ويتمركز في جبل الزاوية بمحافظة إدلب، وبالتوازي مع التزامها الميداني التامّ القرار الأميركي في مناطق انتشارها في الشمال الشرقي من سوريا، تحاول «قوات سوريا الديموقراطية»، عبر مختلف أدواتها، خلق عدد من الخيارات التي تتيح لها ضمان استمرار مشروع «الإدارة الذاتية»، أو على أقلّ تقدير، الانخراط في مسارات الحلّ القائمة، بما فيها الروسي والأممي اللذان يغيب عنهما الأكراد بشكل كلّي، وتسعى «قسد»، من خلال ذلك، إلى استباق أيّ تقدّم سياسي متوقّع قد يعمّق من تهميشها، في ظلّ التقارب السوري – التركي الذي تدفع روسيا وإيران به، وذلك بسبب أن قسد بعيدة عن كافة المسارات الدولية والأممية الساعية إلى إجاد حل للقضية السورية، ويعيدنا هذا ، إلى محاولات سابقة للانخراط في المسارات السياسية للحلّ، أبرزها محاولة عام 2015 التي انخرط فيها هيثم المنّاع، بصفته شريكاً في قيادة «مسد» آنذاك، قبل أن ينسحب من المجلس عام 2016، معلناً رفض «إعلان الفدرالية الكردية» التي يحاول الأكراد ترسيخها، ما أدّى إلى حصر تمثيل هؤلاء في المباحثات السياسية حول سوريا بـ «المجلس الوطني الكردي» المدعوم تركياً.
يُرجح تأثير الانسحاب الأمريكي على قسد
من المرجح أن يؤثر الانسحاب المحتمل للقوات الأمريكية من العراق بنهاية عام 2026، بشكل مباشر على قوات “قسد” المدعومة من الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا، وأن الانسحاب المحتمل قد يدفع “قسد” إلى مرونة أكبر في مفاوضاتها مع الأطراف المحلية والإقليمية، بما فيها أنقرة ودمشق، وربما عقد شراكات واتفاقيات مع الجانب الروسي، والبحث عن مصالح مشتركة أكبر وتقديم خدمات جديدة لضمان بقائها وحمايتها، وأكد مدير مركز “جيواستراتيجي للأبحاث” إبراهيم كابان، أن الحضور الأمريكي في المنطقة، يسهم مباشرة بحماية “قسد” من أنقرة وحكومة نظام الأسد والميليشيات الإيرانية، وأوضح أن الانسحاب الأمريكي سيؤثر على خيارات “قسد” المقبلة، وسط إمكانية انعزالها عن القوى المتصارعة، أو عقد صفقات جديدة لحماية نفسها.
روسيا تسعى إلى تعزيز الحوار وحل الخلافات بين حكومة نظام الأسد وقسد
أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في 22 من أيلول أن موسكو سعت بنشاط إلى تعزيز الحوار وحل الخلافات بين حكومة نظام الأسد والإدارة الذاتية “قسد”، المسيطرة على مناطق شمال وشرق سوريا، رغم أن “الإدارة” غير معترف بها دولياً، وصرحت زاخاروفا إن روسيا ملتزمة بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، لافتة إلى أن موسكو لديها علاقات مع حكومة نظام الأسد وحكومتها المعترف بها من قبل المجتمع الدولي، وتابعت: الإدارة الذاتية “قسد” تأسست من جانب واحد عشية الهجوم الإرهابي الدولي العنيف على سوريا، عندما فقدت دمشق بعض أراضيها وكان السوريون يواجهون احتلالاً أجنبياً”، حيث رأت أن الإدارة الذاتية “قسد” تتعرض لضغوط مباشرة من الولايات المتحدة الأمريكية في حين تنتشر القوات الأميركية في كافة المناطق الخاضعة لسيطرتها، ما يعد “انتهاكاً من واشنطن لجميع اتفاقياتها مع موسكو”، وسبق أن حذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في اثنين 2 أيلول/ سمبتمبر، الأكراد في سوريا من مصير مشابه للأفغان الذين تخلت الولايات المتحدة عنهم، ودعاهم إلى التفاوض مع حكومة نظام الأسد للحصول على حقوقهم ضمن وحدة سوريا، بدلاً من الاعتماد على الدعم الأمريكي، وأكد لافروف في تصريحات صحفية، إن على الأكراد أن يدركوا أن مستقبلهم سيكون دائماً في إطار وحدة سوريا “وليس الاعتماد على الأمريكيين لإنقاذهم”، وتابع لافروف أن الأمريكيين “أفشلوا” حوارات سابقة بين حكومة نظام الأسد والأكراد، وأقنعوهم بأن “التصعيد في المواجهة مع حكومة نظام الأسد، هو الخيار الأفضل بدلاً من التعاون معها”، وفق “روسيا اليوم”، واتهم لافروف الولايات المتحدة بالتسبب بالوضع الحالي في منطقة شرق الفرات وجنوب شرق سوريا، مشيراً إلى أن الأمريكيين أنشأوا منطقة حول بلدة التنف لمراقبة تنظيم الدولة “داعش”، لكنهم لم يحققوا أهداف مكافحة “الإرهاب”، ولفت الوزير الروسي إلى أن المناطق التي تحميها الولايات المتحدة في سوريا غنية بالنفط والغاز والأراضي الزراعية، لكن عائداتها لا تدخل خزينة الدولة السورية، “بل تستخدم لدعم الانفصال وإنشاء كيان شبه دولة”.
تركيا تعيد حساباتها لمنع تمدد من المشروع الانفصالي
في ظل الخطوات التركية المتلاحقة تجاه نظام الأسد تأتي في توقيت دولي وإقليمي معقد حيث بدأت الحرب على غزة تضع أوزارها، بينما الحرب لبنانية الإسرائيلية بدأت بالاشتعال والحرب الروسية الأوكرانية بدأت تأخذ منحى تصعيدياً مع خوف إقليمي من انتقال تداعياته إلى سوريا وتوجه الدبلوماسية التركية لإعادة تموضعها في المنطقة على وجه يحفظ مصالحها الاقتصادية والأمنية، هناك توقعات تركية للانسحاب الأمريكي المحتمل من شرق الفرات ماسيحدث فراغاً جيواستراتيجياً لا ترغب تركيا وروسيا بأن يتم سده من قبل الميليشيات الإيرانية لذلك هي تحتاج إلى ترتيب شرعية تدخلها لسد الفراغ في هذه المنطقة مع النظام، ويظهر من ذلك أن التوجهات التركية المستقبلية تجاه الملف السوري هي النتيجة الطبيعة لمسار أستانا الذي تمت هيكلته نهاية عام 2016 بين كل من روسيا وتركيا على إثر خسارة المعارضة السورية لحلب ودخول تركيا إلى الشمال السوري بالتنسيق مع روسيا لمحاربة الإرهاب ومنع تمدد “قسد” وتطبيق خفض التصعيد، من خلال نقاط المراقبة ابتداء، وهو ما دفع تركيا لإعادة حساباتها واعتبار النظام أخف ضرر من المشروع الانفصالي المدعوم غربياً، ما دفعها لإعادة ترتيب أولوياتها.
وتسعى أنقرة إلى تشريع الوجود العسكري التركي في الشمال السوري من خلال الاتفاق على تعديل اتفاقية أضنة مع نظام الأسد، وهذه النقطة الجدلية العالقة بين أنقرة والنظام.
وقد تنتقل تركيا، من طرف داعم للمعارضة السورية إلى طرف ووسيط يقود المبادرات بين المعارضة والنظام.
ولا يمكن انسحاب تركيا من الشمال السوري لا على المدى القريب ولا البعيد وذلك بسبب اشتراطها تطهير سوريا من العناصر الإرهابية؛ حفاظاً على سلامة أراضيها ووحدتها، وإنجاز العملية السياسية في إطار قرار مجلس الأمن الدولي 2254 وتهيئة الظروف اللازمة لعودة آمنة وكريمة للاجئين، وكما يبدو أن مؤسسات المعارضة ستكون الركيزة الأساسية لتنفيذ التوجهات التركية في المرحلة القادمة، ويبدو الشمال السوري عموماً سيكون متحرك دائم وكثير الجدل فكما أسلفنا بالتحولات التي ستحصل بإرهاصات الانسحاب الأمريكي لاسيما العراق، والعلاقة بين أنقرة ودمشق ومسائل معقدة لها علاقة بالوجود التركي واللاجئين وتطبيق حل سياسي وفق 2254م.