في علم الاجتماع، يُنظر إلى المجتمعات التي تمر بأزمات طويلة على أنها بيئات غنية بالتحولات، لا فقط
بالتحديات.
وسوريا، بما تحمله من عمق تاريخي وتنوع اجتماعي، تُعد نموذجًا فريدًا لدراسة كيف تتفاعل المجتمعات مع
التغيرات السياسية والاقتصادية والثقافية، وكيف يمكن تحويل هذه التفاعلات إلى فرص لإعادة البناء المجتمعي
من الداخل .
أولًا : ملامح المجتمع السوري اليوم
استنادًا إلى دراسات ميدانية وتقارير دولية ومحلية، يمكن تلخيص أبرز ملامح المجتمع السوري الحالي في
النقاط التالية:
• الأسرة ما تزال الوحدة الأساسية للتماسك الاجتماعي، لكنها تواجه ضغوطًا اقتصادية ونفسية متزايدة.
• الشباب يشكلون أكثر من 60% من السكان، لكن نسبة مشاركتهم في صنع القرار المجتمعي لا تتجاوز 15%
في معظم المناطق.
• المجتمع المدني في حالة نمو تدريجي، لكنه يفتقر إلى التنسيق، التدريب المستدام، والتمويل المستقل.
• الهوية الوطنية ما تزال قوية وجدانية، لكنها بحاجة إلى إعادة صياغة وظيفية تربط بين الانتماء والمشاركة
الفعلية.
ثانيًا: تحليل علمي للواقع المجتمعي
من منظور علم الاجتماع التطبيقي، يمكن تفسير التحديات المجتمعية في سوريا عبر ثلاثة مستويات:
1 . المستوى البنيوي: ضعف المؤسسات الوسيطة (كالمنظمات المحلية، الجمعيات، النقابات) يؤدي إلى فجوة
بين المواطن وصانع القرار.
2 . المستوى الرمزي: غياب السرديات الإيجابية عن الذات السورية في الإعلام والتعليم يضعف الشعور
بالفاعلية والانتماء.
3 . المستوى التفاعلي: انخفاض الثقة بين الأفراد والمؤسسات يحد من المبادرات المجتمعية ويؤدي إلى عزوف
عن المشاركة.
ثالثًا: خطة تفعيل مجتمعي واقعية
بناءً على التجربة الميدانية والدراسات الاجتماعية، أقترح خطة من ثلاث مراحل لتفعيل المجتمع السوري
بطريقة علمية وإنسانية:
1 . مرحلة الاستماع والتوثيق
• إجراء جلسات حوارية في المدن والقرى لتوثيق قصص الناس، احتياجاتهم، ورؤيتهم للحل.
• تدريب فرق مجتمعية على تقنيات البحث الاجتماعي والمقابلات النوعية.
2 . مرحلة التمكين والتدريب.
• إطلاق برامج تدريبية للشباب في مجالات القيادة المجتمعية، الإعلام المجتمعي، وإدارة المبادرات.
• دعم المبادرات المحلية الصغيرة التي تعالج قضايا ملموسة (مثل التعليم غير الرسمي، دعم الأسر، الصحة
النفسية).
3 . مرحلة الربط والتأثير
• إنشاء منصات رقمية تربط بين المبادرات المحلية والجهات الرسمية.
• تقديم تقارير دورية لصناع القرار تتضمن توصيات مجتمعية مبنية على بيانات واقعية.
رابعًا: دور الفاعلين المجتمعيين
الناشط المجتمعي، والمدرب، والباحث، كلهم شركاء في إعادة بناء النسيج السوري.
المطلوب اليوم ليس فقط العمل، بل التنسيق، والتوثيق، والتقييم. أن ننتقل من رد الفعل إلى التخطيط، ومن
المبادرة الفردية إلى التأثير الجماعي.
ختامًا: سوريا ليست فقط وطنًا نعيش فيه، بل مجتمعًا نعيد تشكيله في كل حي، في كل مدرسة، في كل جلسة حوار، هناك فرصة لإعادة بناء الثقة، وتحويل الانتماء إلى فعل.
سوريا لا تحتاج إلى معجزات، بل إلى فهم علمي، عمل مجتمعي، وإرادة جماعية.
والمجتمع، كما يقول علماء الاجتماع، لا يُغيره القرار فقط، بل التفاعل اليومي، والقصص التي نرويها لأنفسنا
عن أنفسنا.
