الانتعاش الاقتصادي في سوريا بعد رفع العقوبات:
بوادر تحول اقتصادي شامل
سوريا تدخل مرحلة جديدة بعد سنوات من الحرب والعقوبات والانهيار الاقتصاد
تشهد سوريا في عام 2025 منعطفاً اقتصادياً حاسماً بعد سنوات من الحرب والانهيار المالي والعقوبات الدولية التي عطلت معظم جوانب الاقتصاد السوري. تمثل إعادة افتتاح بورصة دمشق بعد توقف دام 6 أشهر، إلى جانب الإعلان عن استثمار قطري ضخم بقيمة 7 مليارات دولار لإعادة بناء شبكة الكهرباء، مؤشرات أولى على بداية عملية تعافٍ اقتصادي طويل الأمد، مدعومة بتغير في المواقف الدولية والإقليمية.
عودة النشاط المالي: افتتاح بورصة دمشق
في نهاية مايو 2025، أعلنت السلطات السلطات السورية عن استئناف التداول في بورصة دمشق، وهي خطوة رمزية تعكس الثقة المتزايدة في البيئة الاستثمارية المحلية بعد سنوات من العزلة المالية، كانت البورصة قد أغلقت أبوابها مطلع العام بسبب مخاوف أمنية ومالية، لكن التطورات السياسية، وعلى رأسها سقوط نظام بشار الأسد وتشكيل حكومة انتقالية برئاسة أحمد الشرع، مهّدت الطريق لعودة الأنشطة المالية بشكل تدريجي. فإن سوق دمشق للأوراق المالية يمثل إحدى الأدوات المالية التي يمكن أن تساهم في:
* تعزيز الثقة في الاقتصاد الوطن: يعطي رسالة إيجابية للمستثمرين المحليين والدوليين أن هناك محاولات إصلاح وتنظيم في البيئة الاقتصادية، كما إنه يشير إلى وجود رغبة في زيادة الشفافية والرقابة على النشاط المالي.
* توفير أدوات استثمارية متنوعة: طرح أسهم وسندات وأدوات مالية مختلفة تتيح للمستثمرين فرص جديدة، وتفتح المجال أمام القطاع الخاص لتوسيع نشاطاته وجذب تمويل إضافي.
* دعم عمليات إعادة الإعمار والتنمية: السوق قد يكون قناة لتمويل مشاريع البنية التحتية والإسكان والطاقة وغيرها، بالإضافة إلى تشجيع شركات المقاولات والإنشاءات والتطوير العقاري لطرح أسهمها والحصول على تمويل داخلي بدل الاعتماد على القروض الخارجية المعقدة.
الاستثمار القطري في الطاقة: شريان اقتصادي جديد
الحدث الأبرز في مشهد الانتعاش الاقتصادي تمثل في إعلان قطر عن ضخ استثمارات بقيمة 7 مليارات دولار في مشروع لإعادة بناء شبكة الكهرباء السورية، بالتعاون مع شركات تركية وأمريكية. ويُعد هذا المشروع أكبر استثمار أجنبي مباشر في سوريا منذ اندلاع الأزمة عام 2011، ويركز على تطوير البنية التحتية للطاقة التي تعرضت لانهيار شبه كامل خلال سنوات الحرب.
بحسب تقرير خاص لـ”رويترز”، فإن هذا المشروع يشمل إنشاء محطات توليد جديدة تعمل بالغاز والطاقة الشمسية، إلى جانب تحديث شبكات التوزيع وتدريب كفاءات محلية لإدارتها، مع التزام قطر بتمويل المشروع على مدى خمس سنوات بالتنسيق مع الحكومة السورية الانتقالية.
دلالات سياسية واقتصادية
يمثل هذا التحول الاقتصادي نتيجة مباشرة لتغيرات سياسية كبيرة، أبرزها رفع جزئي للعقوبات الغربية بعد تشكيل الحكومة الجديدة، وبدء الانفتاح الدبلوماسي بين سوريا وعدة دول عربية وأوروبية. وتشير هذه المبادرات إلى توافق دولي على دعم استقرار سوريا عبر قنوات التنمية والاستثمار بدلاً من العزل والعقوبات.
يبدو أن الاقتصاد السوري يقف على أعتاب مرحلة جديدة قد تعيد تشكيل ملامح البلاد بعد أكثر من عقد من الدمار والاضطرابات فإن عودة البورصة وتدفق استثمارات في قطاع حيوي كالكهرباء تمثل إشارات قوية على أن المجتمع الدولي مستعد لمساعدة سوريا إذا أثبتت جديتها في الإصلاح السياسي والاقتصادي. المستقبل لا يزال محفوفاً بالتحديات، لكن الأفق أصبح أكثر انفتاحاً مما كان عليه منذ سنوات، ورغم أن هذا الانتعاش لا يزال في مراحله الأولى، إلا أن المؤشرات الحالية تعزز التفاؤل بإمكانية تحقيق نمو اقتصادي مستدام، خصوصاً مع عودة تدريجية للثقة بين المستثمرين والجهات الحكومية وتعهد الحكومة الانتقالية بالشفافية والتعاون الدولي.
تسهم هذه الخطوات في إبراز بداية مرحلة تعافٍ تدريجي مدعومة بتغيرات في المواقف الدولية والإقليمية تجاه دمشق وفتح قنوات تعاون اقتصادي جديدة. حيث رغم هذه التطورات ما تزال العقوبات الغربية وملفات إعادة الإعمار والاستقرار السياسي تشكل تحديات أمام التعافي الكامل.