ضرورة الأحزاب والتنظيمات السياسية في سورية الجديدة
وأهمية ذلك على الحاضر والمستقبل
فوائد وضرورة الأحزاب والتنظيمات السياسية في سورية الجديدة عقب سقوط الأسد وأهمية ذلك على الحاضر والمستقبل
مع طيّ صفحة الاستبداد وسقوط نظام بشار الأسد، تدخل سورية مرحلة جديدة من التاريخ، تفرض فيها إعادة بناء الدولة والمجتمع على أسس حديثة وديمقراطية. وفي هذا السياق، تبرز الأحزاب والتنظيمات السياسية كأدوات محورية لضمان الاستقرار، وترسيخ المشاركة الشعبية، وبناء دولة القانون. إن غياب التعددية السياسية لعقود، والاحتكار الكامل للسلطة من قبل حزب البعث، أفضى إلى إضعاف الحياة السياسية وتغييب الإرادة الشعبية، وانطباع ذهني سيء عن المفردة الحزبية أو التنظيمية أو السياسية، أما في سورية الجديدة، فإن تأسيس أحزاب حرة ومتنوعة لم يعد خيارًا، بل ضرورة تاريخية لبناء وطن عادل ومزدهر.
أولًا: الأحزاب كركيزة للديمقراطية والمواطنة
تُعتبر الأحزاب السياسية حجر الأساس لأي نظام ديمقراطي. فهي تتيح للمواطنين التعبير عن تطلعاتهم من خلال برامج وأفكار متمايزة، وتخلق آلية سلمية للتنافس على السلطة سلمية بدل الصراعات العُنفية والحروب الداخلية، وهذا ما نتطلع له في سورية الجديدة، ستكون هذه الأحزاب الضامن الأساسي لتوزيع السلطة، ومنع عودة الاستبداد، وتعزيز مبدأ المساءلة الشعبية.
ثانيًا: ضمان التمثيل العادل للتنوع السوري
سورية بلد غني بالتعدد العرقي والديني والثقافي. وجود أحزاب سياسية تعبر عن مختلف المكونات يساهم في دمج الجميع ضمن الحياة الوطنية، ويمنع التهميش أو الإقصاء، الأمر الذي كان أحد أسباب النزاع والانقسام في الماضي. عبر التنظيمات السياسية يمكن لكل فئة أن تعبر عن مصالحها ضمن الإطار الوطني الجامع.
ثالثًا: تنظيم الحياة السياسية ومنع الفوضى
في مرحلة ما بعد السقوط، تكون البلاد عرضة للفوضى والانقسام. لكن الأحزاب والتنظيمات السياسية تُعد أداة لتأطير الخلافات وتنظيمها داخل قنوات قانونية ودستورية، بدل أن تنفجر في الشارع أو تتحول إلى نزاعات مسلحة. إن وجود منظومة حزبية فعّالة يقلل من فرص العنف السياسي ويوجه الصراع نحو صناديق الاقتراع بدل ساحات القتال.
رابعًا: دفع عجلة التنمية وبناء السياسات العامة
الأحزاب لا تكتفي بالحديث في السياسة فقط، بل تساهم في وضع برامج اقتصادية، تعليمية، صحية وغيرها. من خلال التنافس بين الرؤى والبرامج، تُبنى سياسات عامة واقعية ومتوازنة. وهكذا، تتحول سورية من بلد يُدار بالأوامر الأمنية إلى دولة تُدار بالعقل والتخطيط والمؤسسات.
خامسًا: تشكيل ثقافة سياسية جديدة
العمل الحزبي ينمّي الثقافة السياسية لدى المواطنين، ويجعلهم أكثر وعيًا بدورهم في الشأن العام. في ظل سنوات القمع والخوف، اعتاد السوريون العزوف عن السياسة. أما في مرحلة ما بعد الأسد، فالحياة الحزبية النشطة ستساهم في إعادة الثقة بالمشاركة السياسية، وتربية جيل جديد يؤمن بالحوار والعمل الجماعي بدل الفردية والانقياد.
خاتمة: من أجل حاضر آمن ومستقبل مزدهر
إن بناء سورية الجديدة لا يمكن أن يكتمل من دون أحزاب حقيقية فاعلة. فهي ليست رفاهية ديمقراطية، بل شرط لبناء الاستقرار والمستقبل. لا بد من تشجيع حرية التنظيم السياسي، ووضع قوانين نزيهة للأحزاب، تضمن تعددية حقيقية وتمنع التسلط من جديد. فبقدر ما ننجح في تأسيس حياة سياسية صحية، بقدر ما نؤسس لسورية مختلفة: حرّة، موحّدة، عادلة، وقادرة على النهوض من ركام الديكتاتورية إلى آفاق الدولة الحديثة.
وقد ذكر الدكتور برهان غليون، دكتور علم الاجتماع السياسي، أكد أن:
“الثورة التي لا تُتَوّج بحياة سياسية جديدة، ستُختطف إما من قبل الخارج أو من قبل قوى الأمر الواقع.”
هذه الكلمات تعبّر عن إدراك عميق بأن الثورة لا تكتمل فقط بإسقاط النظام، بل ببناء مؤسسات تضمن عدم عودته، وعلى رأسها الأحزاب فوجود الأحزاب تعني وجود ديمقراطية وعدم وجود أحزاب تعني غياب الديمقراطية.
ومن الجيد أن الإعلان الدستوري نص على ذلك، ونحن أحوج ما نكون إلى تطبيق ذلك على أرضية وطنية.
د. زكريا ملاحفجي
أمين عام الحركة الوطنية السورية