أحوال وضع المناطق المحررة ؟!
بقلم إبراهيم مسلم
تعيش المناطق المحررة مجموعة من التحديات والمشاكل التي تجعلها بوضع بائس وتحتاج جهود إصلاحية تحسن وتغير الواقع الحالي فمما تعانيه العديد من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والتعليم ونلخصها كالتالي:
1- اقتصاديا
– الخبز والمحروقات
لم يعد خافياً على أحد الحالة المأساوية التي يعيشها السوريون في الشمال السوري المحرر وخاصة مع غلاء العناصر الأساسية اللازمة للحياة اليومية ويأتي على رأسها مادة الخبز التي بات يوزع على بيانات العائلة (دفتر العائلة) حيث نصيب كل شخصين خمسة أرغفة وبسعر ثلاث ليرات تركية وفي السوق الحر سعرها خمس ليرات. فعائلة مكونة من ستة أفراد تحتاج إلى 25-30 رغيف بشكل يومي، في حين أنها تحصل من المجالس المحلية التي تدير المنطقة على 15 رغيفا فقط فتضطر العائلة إلى الشراء من السوق بسعر أغلى وبحساب بسيط نجد أن الخبز فقط يحتاج يوميا إلى 24 ليرة تركية، في حين يتراوح الأجر اليومي لغالبية العمال والموظفين الحكوميين وعناصر الشرطة والجيش 50-100 ليرة تركية. أي أنه لتأمين الخبز لعائلة مكونة من ستة أفراد فإن رب العائلة ينفق ما بين 25-50% من دخله على الخبز فقط.
أما ما يتعلق بالمحروقات فإنها تشهد ارتفاعا فاحشاً بالأسعار مقارنة بالأجور والرواتب (ليتر المازوت نخب أول 27 ليرة، بنزين نخب أول 36 ليرة أسطوانة الغاز 13$) وهذا ما يدفع أصحاب الآليات إلى استخدام أصناف رديئة من المحروقات مما يؤثر سلبا على الآلية وضعفا في أدائها وتسبب المزيد من الأعطال. كما أن احتكار توريد النفط وفرض رسوم جمركية كبيرة على النفط الخام الوارد من مناطق سيطرة (قسد) تشكل العامل الأهم لرفع أسعار المحروقات مما ينعكس سلباً على عملية الإنتاج وسير العجلة الاقتصادية.
– الزراعة:
تمثل الزراعة عصب الحياة في المنطقة وهي تعاني من العديد من المشاكل أهمها
1- فقدان الأسمدة وثمنها الباهظ عند توفرها (فثمن الطن من سماد المركب 820$ أردني-ياباني، 720$ أردني، 680$ مغربي).
2- والمشكلة الأخرى هي عدم وجود سوق تصريف للغلال وخاصة الحبوب بحكم المنطقة محاصرة من أربع جهات ويتحكم بها مافيات وتجار ومجالس سيئة الإدارة.
3- إغراق الأسواق بالبضائع والمنتجات الواردة من خارج البلاد والمنطقة مما يضعف سوق الإنتاج المحلي.
4- التغيرات المناخية وقلة الأمطار وعدم ترشيد استخدام المياه والحفر العشوائي للآبار مما يسبب تهديداً للمياه الجوفية والأمن المائي.
5- غياب مؤسسات حقيقية ووطنية لدراسة المشاكل الحالية والأخطار المحتملة وإيجاد الحلول اللازمة.
– مهن جديدة:
مع كل ما تم ذكره من صعوبات وتحديات في الحالة الاقتصادية فإن ذلك لم يمنع من ظهور مهن وحرف جديدة أو توسع بشكل أكبر بكثير مما كانت عليه، مثلا ظهور الحراقات المحلية لتوفير احتياجات المنطقة من المحروقات، ظهور مئات المراكز لبيع وتجارة ألواح الطاقة الشمسية والبطاريات وكل ما يلزم من معدات للحصول على الكهرباء في ظل غلاء أسعار الكهرباء وعدم وصول شبكات الكهرباء لكثير من مناطق الريف. ومن المهن الجديدة مكاتب الصيرفة وتحويل الأموال ومراكز بيع السيارات الأوربية بأسعار رخيصة ومنافسة مما دفع إلى اكتظاظ المدن. جميع هذه المهن الجديدة خلق فرصا للعمل للكثير من العائلات مما أدى إلى توفير دخل ولو بسيطا لهذه العائلات، كما يدفع بعجلة الاقتصاد إلى الدوران ولو بشكل بطيء.
2- التعليم:
هو القطاع الأهم كون أن جميع القطاعات والمؤسسات والحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية تبنى عليه وتشكل اللبنة الأولى لبناء مجتمع سليم وآمن. ولكن هذا القطاع يعتبر الأضعف بين باقي القطاعات الحكومية الأخرى وذلك لعدة أسباب أهمها:
1- الأجور المتدنية للمعلمين: ففي المناطق المحررة في الشمال السوري راتب المعلم (1925 ليرة تركية) أي لا تتجاوز 70$ وهي لا تكفي لتأمين الحاجات الأساسية للمعلم لأكثر من عشرة أيام في ظل الفرق الشاسع بين الدخل وأسعار السلع الأساسية، مما يدفع بالكثير من المعلمين إلى الاستقالة والبحث عن عمل آخر أو الالتحاق بمدارس خاصة لتأمين قوت يومهم.
2- هجرة الكفاءات: بسبب تدنِّي الرواتب وسوء الأوضاع الأمنية وسوء إدارة المنطقة وعدم الاستقرار اضطر الكثير من الكوادر العلمية من معلمين وأساتذة جامعات إلى البحث عن أوساط أكثر استقراراً من الناحية الأمنية والمالية فهاجرت إلى تركيا والدول الأوربية مما ترك فجوة كبيرة في قطاع التعليم، وتحاول المجالس المحلية ومديريات التربية جاهدة سد تلك الفجوة عن طريق طلاب الجامعات وحاملي شهادة المرحلة الثانوية مما أدى إلى ضعف وتدهور الحالة التعليمية في المنطقة.
3- ضعف الإمكانات المادية لترميم المدارس وتجهيزها من الناحية الخدمية ووسائل التعليم بالإضافة إلى استحواذ مدارس المدن على حصة الأسد من ناحية الخدمات والتجهيزات على حساب مدارس الريف وذلك بسبب الفساد والمحسوبيات في مديريات التربية والمجالس المحلية التي تدير العملية التعليمية باعتبارها حكومة مصغرة تدير المنطقة.
4- عدم توحيد الشهادات والامتحانات في المناطق المحررة حيث لكل منطقة ومدينة مثل (الباب، قباسين، بزاعة، الغندورة، جرابلس، الراعي، اخترين، صوران، مارع، اعزاز وعفرين وغيرهم) مجلسها المحلي ومديرية التربية الخاصة بها، فكل واحدة منها تشكل شبه دولة. كما أنه لا يوجد جامعات معترفة بها مما يدفع الكثير من الطلاب إلى ترك التعليم بحكم أن مستقبلها مجهول.
3- اجتماعيا:
هذا المجال خطير مجال التعليم في خطورتها لأن أي خلل فيهما ستكلف المجتمع وقتاً طويلاً لإصلاحها كما أنها ستعيق دوران عجلة التقدم والتطور في الدولة والمجتمع. فخلال سنوات الحرب وفترة عدم الاستقرار التي تلتها عانت الحياة الاجتماعية من العديد من الانكسارات وتراجعت بشكل عكسي لعشرات السنين ومن أهم المخاطر التي تهدد الحياة الاجتماعية ما يلي:
1- ظهور الفكر العشائري والقبلي: بسبب الحرب وما رافقه من انقسام في المجتمع لجأ الكثير إن لم نقل معظم أبناء المنطقة إلى الإحتماء بطوائفهم وعشائرهم وقبائلهم وقومياتهم بسبب غياب مؤسسات حقيقية وفعالة تفرض القانون وتحمي الضعيف وتردع الظالم. وانتشار هذا الفكر بشكل واسع ساهم في تقسيم المجتمع إلى فئات أصغر سببت المزيد من التناحر وتأجيج نيران الحقد والفتنة على مستوى القوميات أو العشائر والعائلات للحصول على القدر الأكبر من المكاسب والمناصب بدلا من الوحدة والتكاتف لمواجهة المصير المشترك.
2- انهيار القيم: مما لا شك فيه أن أي حضارة ومجتمع لا تقوم إلا على أسس أخلاقية وقيم وأعراف خارج القوانين والأنظمة المكتوبة، وهذه القيم تلعب دورا إيجابياً مهما في التماسك الاجتماعي والسلم الأهلي. ولكن هناك عدة عوامل تسببت في انهيار القيم وانحلال الأخلاق نذكر منها:
– الغزو الفكري والثقافي الذي يتعرض له المجتمع من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت من أقوى أسلحة العولمة العابرة للحدود وخاصة مع عدم وجود مؤسسات وطنية تفرض رقابة لانتقاء ما هو مفيد ونبذ كل ما يضر بالثقافة الوطنية ومنظومة القيم الأخلاقية. مما أدى إلى تفكك الأسرة وشيوع أفكار وقيم لا تناسب المجتمع بأي شكل من الأشكال.
– دفع انهيار التعليم ومؤسساتها وسوء الأحوال المعيشية الكثير من الطلاب إلى التسرب من المدارس مما أدى إلى ازدياد نسب الجهل والأمية والتي تعتبر بيئة نشطة لتفشي المخدرات وازدياد معدلات الجريمة بالإضافة إلى سرعة انتشار الأفكار والسلوكيات المخالفة لمنظومة القيم الأخلاقية.
3- انتشار المخدرات: باتت المخدرات بأنواعها في السنوات الأخيرة تشكل تهديدا جديا للمجتمع السوري وذلك بسبب الانتشار الواسع للمخدرات وارتفاع معدلات تعاطيها والتي تدفع بدورها إلى ارتفاع معدلات الجريمة والتفكك العائلي وتمزيق النسيج الاجتماعي. ويعود أسباب انتشار المخدرات كونها من أسرع طرق الكسب والربح في ظل سوء الأوضاع الاقتصادية وغياب مؤسسات تحاربها عن طريق حملات التوعية أو بالمكافحة وملاحقة تجّارها ومروجيها.
4- ظهور طبقات جديدة:
على الرغم من أن الحروب تُحدِث تغييرات في البنية السياسية والاقتصادية للدول فإنها تحدث تغييرات أكثر خطورة في البنية والتركيبة الاجتماعية، وهذا يؤدي إلى ظهور طبقات جديدة على حساب ضعف أو زوال طبقات أخرى. ومن أبرز التغييرات الطبقية في المجتمع السوري عموماً والشمال السوري المحرر خصوصا ظهور طبقة عسكرية مسيطرة على جميع مفاصل الحياة ولها يد طولا في مختلف المؤسسات الهشة. وهذه الطبقة تعيدنا إلى ألف سنة خلت إلى الوراء حيث القرون الوسطى وسيادة الإقطاع، ولا نقصد بهذه الكلمة الإقطاع في أوربا بل الإقطاع العسكري في الشرق، فعند الاستيلاء على أي منطقة جديدة كان الملك أو الأمير يقوم بتقسيم المناطق إلى إقطاعات ويوزعها على قاداته وأمراء جيشه حسب المكانة والترتيب، وحسب القوانين والأعراف في تلك المرحلة كان القائد العسكري مطلق اليد في إقطاعه ما دام تابعاً مخلصاً لأميره ويضرب بسيفه ويجمع له الضرائب والإتاوات ويعاقب كل مخالف ومعارض لسياسة الأمير. وهذا ما يحدث في الشمال السوري ولكن تحت تسميات مختلفة، فكل قائد فصيل يقوم بتقسيم منطقة سيطرته ونفوذه بين قاداته إلى مناطق وقرى تكون مستباحة في أغلب الأحيان بذرائع واهية.