من الداخل إلى الخارج: كيف يبني البرلمان السوري جسور التأثير الدولي؟
مقدمة
في لحظة سياسية دقيقة تمر بها سوريا، تتجه الأنظار نحو المؤسسات الوطنية التي يمكن أن تسهم في استعادة الحضور الخارجي للدولة، وتعزيز موقعها في المشهد الدولي.
من بين هذه المؤسسات، يبرز البرلمان السوري بوصفه فاعلًا محتملًا في رسم ملامح السياسة الخارجية، ليس من باب التشريع فحسب، بل من خلال ما يُعرف بالدبلوماسية البرلمانية، التي باتت في كثير من الدول أداة استراتيجية لصياغة الصورة الوطنية، وبناء التحالفات، وتوسيع دوائر التأثير.
إن البرلمان، حين يتحرر من الدور التقليدي، ويستثمر في قدراته التمثيلية، يستطيع أن يتحول إلى منصة وطنية للحوار الدولي، وجسر سياسي بين الداخل السوري والعالم الخارجي.
تجارب دولية ملهمة
ليست الدبلوماسية البرلمانية اختراعًا جديدًا، بل هي ممارسة متنامية في كثير من الدول التي أدركت أن البرلمانات قادرة على أن تكون صوتًا خارجيًا مؤثرًا.
ففي الاتحاد الأوروبي، لعب البرلمان دورًا محوريًا في صياغة المواقف تجاه قضايا حقوق الإنسان والمناخ، عبر لجانه المتخصصة ووفوده الميدانية.
وفي تركيا، استُخدمت الروابط التاريخية والثقافية لتوسيع النفوذ في آسيا الوسطى والبلقان، من خلال زيارات برلمانية ومبادرات مشتركة.
أما المغرب، فقد نجح برلمانه في الدفاع عن مصالح المملكة ضمن الاتحاد البرلماني الدولي، مستثمرًا في الحضور الدائم والمداخلات النوعية.
هذه التجارب تؤكد أن البرلمان، حين يمتلك الرؤية والأدوات، يمكن أن يكون سفيرًا سياسيًا وثقافيًا واقتصاديًا للدولة، وأن يسهم في بناء صورتها الخارجية على أسس من الاحترام والتأثير.
التحديات أمام البرلمان السوري
لكي يتحول البرلمان السوري إلى فاعل دولي حقيقي، لا بد من مواجهة مجموعة من التحديات البنيوية والسياسية، أبرزها:
• غياب البنية المؤسسية للدبلوماسية البرلمانية، إذ لا توجد لجان متخصصة أو وحدات دعم خارجي فعالة.
• ضعف الخبرة الدولية لدى كثير من النواب، مما يحد من قدرتهم على التفاوض أو بناء علاقات خارجية متوازنة.
• استمرار الانقسام الدولي حول الملف السوري، وهو ما يجعل مهمة بناء جسور الثقة أكثر تعقيدًا.
• هيمنة الخطاب السياسي التقليدي، الذي لا يتماشى مع متطلبات التأثير الإعلامي والدبلوماسي في العصر الحديث.
• محدودية الانخراط في المنظمات البرلمانية الدولية، مما يقلل من فرص بناء شبكة علاقات مستدامة.
أدوات عملية للتحول إلى فاعل خارجي
لتحقيق نقلة نوعية في الدور الخارجي للبرلمان السوري، لا بد من تبني مجموعة من الأدوات العملية والاستراتيجية، منها:
• تأسيس لجنة دائمة تُعنى بالدبلوماسية البرلمانية، تتولى صياغة استراتيجية واضحة للتواصل الخارجي، وتنظيم الزيارات واللقاءات الدولية.
• إطلاق برامج تبادل برلماني مع الدول الصديقة أو المحايدة، بهدف بناء الثقة وتبادل الخبرات.
• إنشاء مراكز دعم بحثي وتشريعي، توفر المعلومات والتحليلات اللازمة للنواب في القضايا الدولية.
• تدريب النواب على فنون الخطاب السياسي الدولي، بما يشمل الإقناع، الظهور الإعلامي، وصياغة الرسائل الموجهة للخارج.
• الانخراط الفاعل في المنظمات البرلمانية الدولية، لضمان حضور دائم ومؤثر في المنتديات العالمية.
• إنتاج محتوى سياسي موجه للرأي العام الدولي، يعكس رؤية سوريا الجديدة، ويخاطب العالم بلغة عقلانية وإنسانية.
خاتمة
البرلمان السوري الجديد أمام فرصة تاريخية ليكون أكثر من مجرد مؤسسة تشريعية، يمكنه أن يتحول إلى صوت وطني في الخارج، وإلى فاعل سياسي يسهم في استعادة صورة سوريا، وبناء علاقاتها الدولية على أسس من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
فبناء الجسور يبدأ من الداخل، لكنه لا يكتمل إلا حين يصل صداه إلى الخارج، عبر أداء برلماني مدروس، ومبادرات دبلوماسية جريئة، وخطاب سياسي يليق بسوريا وتاريخها ومكانتها.
