“أ. بشير قوجة” عضو في الحركة الوطنية السورية
تأسست جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928 على يد حسن البنا، كحركة دينية إصلاحية تهدف إلى إعادة إحياء الفكر الإسلامي الشامل، وإقامة مجتمع إسلامي يعتمد على الشريعة الإسلامية كأساس للحكم والتشريع. انطلقت الجماعة في بدايتها عبر أنشطة اجتماعية ودعوية، لكنها سرعان ما دخلت معترك السياسة، مما جعلها هدفاً للأنظمة المتعاقبة في مصر.
انتشرت الجماعة في مختلف الدول العربية والإسلامية، وشكلت فروعاً لها في الأردن، سوريا، السودان، فلسطين، اليمن، ليبيا، وتونس. وكان لها حضور فاعل في بعض البرلمانات والحكومات، خصوصاً في مصر بعد ثورة يناير 2011، حيث وصلت إلى الحكم عبر محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطياً، قبل أن يُطاح به في انقلاب عسكري عام 2013.
الإخوان في سوريا وأحداث الثمانينيات
في سوريا، تأسس فرع الجماعة عام 1945 بقيادة مصطفى السباعي، وقد شاركت في العمل السياسي منذ الاستقلال، ودخلت البرلمان السوري، لكنها واجهت بعد انقلاب البعث عام 1963 موجات قمع واعتقال.
بلغت المواجهة ذروتها في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات حين قادت الجماعة تمرداً مسلحاً ضد نظام حافظ الأسد، انتهى بحملة دموية شنها النظام في مدينة حماة عام 1982، والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين، واعتُبرت من أفظع المجازر في تاريخ سوريا الحديث. على إثر ذلك، حُظرت الجماعة، وصدر قانون يعاقب بالإعدام كل من ينتمي إليها، ما أدى إلى تشتت قياداتها في المنافي، خصوصاً في أوروبا والخليج.
الانقسامات الداخلية والتحديات الإقليمية
تعاني جماعة الإخوان المسلمين منذ عدة سنوات من انقسامات داخلية حادة أضعفت تماسكها التنظيمي والسياسي. في 2025، وصلت هذه الانقسامات إلى ذروتها، لا سيما بين ما يُعرف بجبهة لندن بقيادة صلاح عبد الحق، وجبهة إسطنبول بقيادة محمود حسين.
كلا الطرفين يدعي الشرعية التنظيمية، ويتبادل الاتهامات بشأن سوء الإدارة، والانفراد بالقرار، والتخلي عن المبادئ.
ومع تصاعد الخلافات، برز “تيار التغيير” الذي دعا إلى إصلاح شامل داخل الجماعة، وانتقد القيادات التاريخية على مواقفها المتناقضة وعدم قدرتها على مواكبة المتغيرات السياسية في المنطقة. هذا التيار لم يُعترف به رسميًا، لكنه يعكس عمق الأزمة التي تمر بها الجماعة.
موقف الأردن.. حل قانوني وتجريم شامل
في أبريل 2025، أعلنت الحكومة الأردنية تنفيذ قرار محكمة التمييز القاضي باعتبار جماعة الإخوان المسلمين “جمعية غير مشروعة”، وأصدرت أوامر بحظر جميع أنشطتها، ومصادرة ممتلكاتها، وتصفية وجودها القانوني، وأكدت السلطات أن أي نشاط باسم الجماعة سيُعد جريمة يُعاقب عليها القانون، مما شكل ضربة قاسية لفرع الجماعة في الأردن الذي كان يُعد من الأقوى تنظيمياً في المنطقة.
قطر تغير بوصلتها وتدعم نظام السيسي
في تحول مفاجئ، أعلنت قطر في مارس 2025 دعمها لحكومة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في خطوة أثارت جدلاً واسعاً واعتبرها كثير من المحللون إعلان نهاية العلاقة الخاصة التي جمعت الدوحة بجماعة الإخوان لسنوات، لا سيما بعد لجوء العديد من قيادات الجماعة إلى قطر عقب الإطاحة بهم في مصر عام 2013.
الدعم القطري الجديد للسيسي جاء ضمن ترتيبات إقليمية جديدة تهدف إلى استقرار المنطقة وتهدئة التوترات، وهو ما أدى إلى انكماش نفوذ الإخوان في الخليج وانقطاع قنوات الدعم المالي والإعلامي التي طالما اعتمدوا عليها.
الإخوان المسلمون في سوريا الجديدة في غياب تام
بعد سقوط نظام بشار الأسد وتشكيل الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، لم يكن لجماعة الإخوان المسلمين أي وجود سياسي أو تنظيمي يذكر داخل سوريا.
على الرغم من محاولات قياداتها في الخارج الدخول للسلطة الجديدة، فإن المشروع الوطني السوري بُني على قاعدة رفض كل التنظيمات العابرة للحدود، بما فيها الإخوان، الذين يُنظر إليهم في الوعي الشعبي السوري كطرف ساهم في تعقيد المشهد السوري لعقود.
قد لا ترى السلطات الجديدة في سوريا أي مستقبل سياسي لجماعة الإخوان، وأن المرحلة تتطلب تجاوز التنظيمات الإيديولوجية والانطلاق نحو دولة مدنية تمثل جميع السوريين دون إقصاء إلا لمن تلطخت أيديهم بالدماء أو خرقوا العقد الوطني.
تعيش جماعة الإخوان المسلمين اليوم لحظة فارقة في تاريخها، عنوانها التفكك الداخلي، تراجع الدعم الخارجي، والعزلة الإقليمية.
من تنظيم كان يطمح لحكم الأمة الإسلامية، إلى تنظيم تحاصره الانقسامات ويطارده القانون في عواصم العرب، الأحداث المتسارعة في 2025 ترسم ملامح النهاية السياسية لجماعة طالما اعتبرت نفسها اللاعب الأهم في مستقبل المنطقة، لكنها الآن تواجه مصير التهميش، وربما الزوال.