تفكيك الألغام الفكرية
نتفهم تماماً صدمتك أخي المغترب العائد إلى وطننا سوريا، فلوهلة عابرة قد ظننت أنك سترى سوريا مختلفة بعد أن كانت مليئة بالظلم والجور والمحسوبيات ظننت أنك ستراها مليئة عدلاً ونوراً.
ولكن إن أخذت بعين الاعتبار:
– العادات التي نشأ عليها الصغير الكبير، من رشاوي ومحسوبيات وتشبيح باسم فلان أو علان.
– الخوف المنتشر بشكل مرعب حتى الأخ لم يعد يأمن جانب أخيه، فقد يبلغ عنه ليتودد لأحد رؤس النظام البائد أو أعوانه.
– الذل والقهر المطبق على كل مواطن في رحلته للحصول على أبسط احتياجاته الإنسانية ( الدرجة الأولى من هرم ماسلو لحاجات الانسان)، في طابور الخبز أو انتظار المواصلات أو الراتب الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.
– الافساد الممنهج والمتعمد لأجيال الشباب واشغالهم بترهات وشهوات آنية.
– اقصاء ذوي الفكر والحكمة في كثير من الأحيان لكي لا يبقى صوت سوى صوتهم الغاصب على كل حق.
إن أخذت بعين الاعتبار هذه النقاط الخمسة فقط ستعلم أن البرمجة المطبقة على شعب سوريا لعقود من الزمن لن تزول بيوم وليلة، وتوقع ذلك هو أمر بعيد جداً عن المنطق، فكما الألغام تحتاج خبراء لتفكيكها، نحن نحتاج خبراء لتفكيك هذه البرمجة الفكرية
هذه البرمجة المجتمعية (كما يصفها علماء الاجتماع) التي نحن فيها الآن، ليست قدراً محتوماً، بل يمكن العمل على ازالتها.
والاتجاه الصحيح في كل تغيير مرجو هو الداخل، “إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ”
مع الأطفال: يبدأ التغيير من التربية، بغرس قيم التعاون، الصدق، واحترام الآخر.
يحتاج الأطفال إلى نماذج إيجابية، وإلى بيئة تشجعهم على التعبير عن أنفسهم بحرية وأمان، والتركيز على الأطفال في التغيير هو حجر أساس لبناء غد واعد لبلدنا الحبيب.
مع الكبار: يتطلب الأمر حملات توعية، وحوارات مجتمعية صريحة، وتشجيع المبادرات الفردية والجماعية التي تعيد بناء الثقة بين الناس. كما أن دور الإعلام والمدرسة ودور العبادة لا يقل أهمية في إعادة تشكيل الوعي الجمعي.
سوريا اليوم تقف على مفترق طرق: إما الاستسلام لإرث البرمجة السلبية، أو الانطلاق نحو مستقبل يصنعه جيل جديد يحمل قيمًا أصيلة متجددة.
التغيير ليس مستحيلًا، لكنه يحتاج إلى جهد جماعي (فالكل مسؤول ) ويحتاج أيضاً إلى صبر طويل.
مثال تطبيقي
إذا كان المجتمع قد تطبع على الخوف من التعبير عن الرأي بسبب عقود من القمع، فالتفكيك يشمل حماية حرية التعبير قانونيا
تدريب الناس على النقاش الحر
تقديم شخصيات عامة تتحدث بجرأة وتحظى بالاحترام
تربية الأطفال على السؤال والاعتراض الإيجابي في المدارس
فاليوم نحن بحاجة إلى قوننة تحمي وتصون الإنسان إضافة إلى تدريب وتهيئة وبرامج للشباب لتنشئة صحيحة وحمل قناعات سليمة تعزز رأيه وتفاعله في مجتمعه ويعطي بالمجمل حصانة لهؤلاء الشباب ليساهموا مساهمة صحيحة في تنمية بلدهم.
زكريا طحاوي
مدرب تنمية بشرية