بعد مقتل رئيسي.. هل من تغيرات في إيران؟
لا أعتقد أن هناك تغيراتٍ كبرى ستحصل ضمن ما يسمى (جغرافية إيران السياسية)، إبان مقتل الرئيس الايراني “إبراهيم رئيسي” ومن معه. وليس هناك من مؤشرات ذاتية أو موضوعية تنبئ أو تشير إلى ذلك، من منطلق أن الذي يحكم إيران فعليًا، ومنذ وصول (آية الله الخميني) أواخر سبعينيات القرن الفائت، إلى سدة الحكم في إيران، ومن بعده (علي خامنئي) ليس هو مؤسسة الرئاسة، وليست أيضًا الحكومة، المفترض أنها تحكم، بل لعل هيئة (الولي الفقيه) والمتفيقهين من حوله وأجهزته الأمنية، وكل آليات عمل ما يسمى (الحرس الثوري الإيراني) هي من تمسك بالسلطة والحكم، وتطبق فعليًا على أنفاس الناس في إيران بكل تلاوينهم الأثنية والطائفية، وصولًا إلى رسم السياسة الخارجة للدولة الإيرانية.
وبالتالي فإن ذهاب أو رحيل أو نفوق شخص الرئيس، لن يحدث خللًا في الدولة، ولن يقلب رأس المجن، وهوما كان خامنئي قد طمأن الإيرانيين عليه، إبان الإعلان عن فقدان طائرة رئيسي، باعتبار أن الحاكم الفعلي مازال قويًا وممسكًا بتلابيب دولة الفقيه ونظام الملالي.
من هنا فإن احتمالات أن تكون الحادثة قد حصلت بتدبير مدبر داخل سلطة الملالي مسألة فيها نظر، واحتماليتها قائمة وممكنة، كتصفيات متوقعة بين رجالات الدولة، ولقطع الطريق على أيّة إمكانية قادمة لتولي الإمامة من قبل رئيسي وهو أحد المرشحين المحتملين لذلك.
إن السلطة (التوليتارية) الاستبدادية في إيران مازالت قادرة على تحديث نفسها وإنجاز مخططاتها الإقليمية والدولية، وتغولها الواضح على المحيط العربي، في ظل عجز هذا الواقع العربي الآسن، وغياب أو تغييب أي مشروع عربي، يواجه خطر المشروع الفارسي، المتوجه نحو المنطقة وهو الذي سيطر حتى الآن على أكثر من خمس عواصم عربية دمشق وبيروت وصنعاء وبغداد، والتطلع إلى ما هو أوسع من ذلك، في ظل الضعف العربي والتشظي الواضح.
ويبدو أن سيطرة الحرس الثوري التابع لدولة الملالي مازالت هي من يعول عليها في اختيار السلطات التنفيذية، خدمة لمصالح الولي الفقيه، الحاكم بأمره، وتمهيدًا لاستغلال الشعوب في إيران وما حولها، ونهب خيراتها، وزج الدولة الإيرانية في صراعات لا تنتهي مع المحيط العربي واعتماد سياسة (الصمت الاستراتيجي) كسياسة لما يسمى (محور المقاومة والممانعة) وبالتالي ترك الفلسطينيين يلاقون مصيرهم بأنفسهم، ضمن سياسة (وحدة الساحات) التي لم تنتج إلا مزيدًا من التخلي عن القضية الفلسطينية، والاكتفاء بإطلاق (المسيرات الخلبية) وضرب (العواميد) من قبل حزب الله المليشيا التابعة لإيران في لبنان، وكذلك صمت النظام السوري عن كل هذا العدوان الفاجر والفاشيستي الذي يجري ضد أهل غزة، أو ضد الجغرافيا السورية، وهو ما أدى إلى مكافأة بشار الأسد من قبل أميركا بامتناع الرئيس الأميركي (جو بايدن) عن التوقيع على قانون منع التطبيع مع نظام بشار الأسد.
وأخيرًا لابد من القول: إن التفاهمات الإيرانية الأميركية الإسرائيلية ما انفكت باقية سيدة الموقف وإن كل ما يقال في الإعلام الإيراني عن مواجهة ممكنة مع إسرائيل، أو (الشيطان الأكبر) أميركا مجرد سياسة تكتيكية لذر الرماد في العيون، وليس هناك من حرب قادمة بين إسرائيل وإيران، ولا بين إيران والإدارة الأميركية، بل يفضي إلى مزيد من التفاهمات تحت الطاولة بينهم ، لتحقيق مصالح براغماتية للمشروعين الصهيوني والإيراني، حيث المستهدف أولاً وخيرًا كان ومازال، هو المحيط العربي الذي يبدو أنه لم يصح بعد من رقاد طويل، واستغراقه في الغفلة، وما برح النظام الرسمي العربي (يعثر في الأكم وفي الوهد) وغير قادر على إنتاج مشروعه العربي المتمكن والمناهض بالضرورة للمشروعين الخطرين على الأمة، الصهيوني والإيراني.