“أ. بشير قوجة” عضو في الحركة الوطنية السورية
في حدث تاريخي يحمل رمزية عميقة لسوريا ما بعد حقبة الأسد، ترأس الرئيس السوري أحمد الشرع، صباح اليوم الإثنين 7 نيسان 2025، أول اجتماع رسمي للحكومة الجديدة في العاصمة دمشق.
الاجتماع الذي عُقد في القصر الرئاسي جاء تتويجًا لمرحلة سياسية انتقالية تعيشها البلاد منذ سقوط نظام حزب البعث في ديسمبر الماضي، ويمثل نقطة الانطلاق الفعلية لحكومة توصف بأنها حكومة “التغيير والبناء”، وسط تحديات غير مسبوقة وأمل متجدد يلوح في أفق ملايين السوريين.
من حكومة تصريف أعمال إلى إدارة وطنية متماسكة
بعد أكثر من ثلاثة أشهر من العمل في إطار حكومة انتقالية كانت مكلفة بتسيير شؤون الدولة خلال مرحلة إسقاط النظام السابق، تم الإعلان عن تشكيل حكومة سورية جديدة في 29 آذار الماضي، تضم 23 وزيرًا يمثلون طيفًا واسعًا من الاختصاصات والخبرات. خمسة من هؤلاء الوزراء كانوا ضمن التشكيلة الانتقالية، ما يعكس نوعًا من الاستمرارية المؤسساتية، فيما تم استقدام شخصيات جديدة، بعضها من الكفاءات السورية المقيمة في الخارج.
وفي هذا السياق أكد الرئيس الشرع خلال الاجتماع أن عملية تسليم المهام من الحكومة المؤقتة جرت بسلاسة تامة وأن الوزراء الجدد باشروا على الفور استلام ملفاتهم ومتابعة العمل التنفيذي، مما يدل على نضج سياسي ورغبة جادة في تجسيد مبدأ الانتقال السلمي للسلطة في البلاد.
وفي خطوة غير مسبوقة، دعا الرئيس الشرع إلى شراكة مباشرة بين الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص، من خلال ورشات عمل تشاركية تضع السياسات العامة وفق احتياجات الواقع، بعيدًا عن البيروقراطية القديمة التي عطلت الدولة لسنوات.
التشكيلة الحكومية.. تنوع في الاختصاصات
التشكيلة الوزارية التي أعلن عنها في دمشق شهدت استحداث وزارات جديدة لأول مرة في تاريخ البلاد، مثل وزارة الطوارئ والكوارث، ووزارة الرياضة والشباب، ووزارة التنمية الإدارية، في إشارة إلى التوجه الجاد نحو بناء مؤسسات دولة حديثة ومرنة تستجيب للتحديات المتغيرة.
ومن أبرز الأسماء في الحكومة الجديدة:
• “أنس خطاب” وزيرًا للداخلية، وهو ضابط سابق في جهاز المخابرات العامة.
• “مظهر عبد الرحمن الويس” وزيرًا للعدل.
• “حمزة المصطفى” وزيرًا للإعلام.
• “هند قبوات” وزيرة للشؤون الاجتماعية والعمل.
• “محمد ياسين صالح” وزيرًا للثقافة.
• “محمد عبد الرحمن تركو” وزيرًا للتربية والتعليم.
• “مصعب العلي” وزيرًا للصحة.
• “رائد الصالح” وزيرًا للطوارئ والكوارث، وهو المعروف بإدارته لمنظمة الدفاع المدني “الخوذ البيضاء”.
كما احتفظ كل من “أسعد الشيباني” بمنصب وزير الخارجية، و”مرهف أبو قصرة” بمنصب وزير الدفاع، ما يدل على توجه نحو الحفاظ على التوازن والاستقرار في الملفات السيادية.
رسائل موجهة للداخل والخارج
الاجتماع الوزاري الأول لم يكن مجرد جلسة عمل، بل حمل رسائل متعددة الاتجاهات. فقد أكد الرئيس الشرع أن هذه الحكومة تمثل إرادة السوريين، وهي امتداد للثورة الشعبية التي أطاحت بعائلة الأسد بعد أكثر من نصف قرن من الحكم.
وفي الوقت ذاته، وجّه الشرع دعوة صريحة للمجتمع الدولي إلى الانفتاح على سوريا الجديدة، قائلًا إن الأبواب مفتوحة أمام الشراكات السياسية والاقتصادية، بشرط احترام السيادة الوطنية ووحدة الأراضي السورية.
وقد تزامنت هذه الرسائل مع صدور بيانات ترحيب رسمية من عدد من الدول العربية والغربية عبّرت عن دعمها للمسار الانتقالي في سوريا، وأكدت استعدادها للتعاون في ملفات إعادة الإعمار، مكافحة الإرهاب، وتحقيق الأمن الإقليمي.
وزارة الخارجية: انفتاح على العالم دون تنازلات
وزارة الخارجية والمغتربين السورية أصدرت بيانًا أعربت فيه عن شكرها للمواقف الدولية الداعمة، مؤكدة أن دمشق مستعدة للتعاون مع كل الجهات الإقليمية والدولية التي تحترم استقلال سوريا وتدعم جهودها في إعادة البناء.
كما أن البيان شدد على أن الحكومة الجديدة ترى في هذا الانفتاح الدولي فرصة لتعزيز التواصل الدبلوماسي، وبناء شراكات تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، لا على الإملاءات والوصاية السياسية.
ولادة مرحلة جديدة، وأمل جديد للسوريين
الحكومة الجديدة التي شُكّلت في 29 آذار 2025، بعد سنوات من الحرب والدمار، تمثل بارقة أمل لملايين السوريين، فهي حكومة متعددة الأطياف جاءت لتطوي صفحة الماضي وتفتح بابًا لمستقبل أكثر إشراقًا عبر نهج شفاف تنموي، ومبني على أسس وطنية متينة.
ويأمل السوريون اليوم أن تكون هذه الحكومة قادرة على التصدي للتحديات الأمنية والاقتصادية التي تُثقل كاهل البلاد، وعلى رأسها ضبط التجاوزات والانتهاكات التي ترتكبها بعض العناصر الأمنية وفلول النظام السابق، ومحاسبة المسؤولين عنها بوضوح وحزم.
كما يطالب الشارع السوري بتحمل الحكومة لمسؤولياتها كاملة في حماية المدنيين، وتعزيز سيادة القانون، إلى جانب إطلاق خطط اقتصادية تضع حداً لمعاناة الناس وتفتح فرصًا حقيقية للعيش الكريم.
ما شهدته دمشق اليوم لا يُعد مجرد انطلاق لحكومة جديدة، بل هو بداية فعلية لمرحلة تاريخية، تنقل سوريا من رماد الحرب والانقسام إلى مشروع وطني جامع، هدفه بناء دولة مدنية قوية، عادلة، وشفافة.