“أ. بشير قوجة” عضو في الحركة الوطنية السورية
باريس – 7 أيار 2025
في مشهد يعكس بداية تحول استراتيجي في السياسة الدولية تجاه سوريا، استقبل الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” نظيره السوري “أحمد الشرع” في قصر الإليزيه، في أول زيارة رسمية لرئيس سوري إلى فرنسا منذ أكثر من 13 عامًا.
هذه الزيارة التي جاءت في وقت دقيق يمر فيه الشرق الأوسط بتحولات كبرى، حملت رسائل سياسية واضحة وأجندة عملية كثيفة، ركزت على مستقبل العلاقات الثنائية ودور فرنسا في دعم العملية الانتقالية السورية.
أجواء الاستقبال وتقدير الرئيس الشرع
استُقبل الرئيس أحمد الشرع بمراسم رسمية لائقة، تعكس اعترافًا دوليًا متزايدًا بشرعية الحكومة السورية الانتقالية، وبدور الشرع في قيادة البلاد نحو استقرار دائم بعد سنوات من الحرب والانقسام.
ورافق الرئيس الشرع وفد دبلوماسي واقتصادي رفيع مما أضفى على الزيارة طابعًا عمليًا يتجاوز المجاملة البروتوكولية.
النقاشات بين ماكرون والشرع عمق وتفصيل وواقعية
1. رفع العقوبات وتهيئة الأرضية الاقتصادية:
كان أحد المحاور الرئيسية في اللقاء هو ملف العقوبات الأوروبية المفروضة على سوريا، والتي تسببت في معاناة اقتصادية هائلة للشعب السوري.
دعا الرئيس الشرع إلى رفع تدريجي للعقوبات، أو على الأقل استثناء القطاعات الحيوية مثل الكهرباء والصحة والتعليم منها.
الرئيس ماكرون عبّر عن تفهمه الكامل للوضع الاقتصادي الحرج في سوريا، مشيرًا إلى أن فرنسا ستقود حوارًا أوروبيًا موسعًا لمراجعة آلية العقوبات، شرط أن يستمر المسار السياسي في سوريا ضمن روح الشفافية والتمثيل الوطني الحقيقي.
2. دعم المرحلة الانتقالية والمؤسسات السورية الجديدة:
أكد ماكرون خلال اللقاء أن فرنسا تدعم الحكومة السورية الانتقالية كممثل شرعي للشعب السوري، وأعرب عن استعداد باريس لتقديم الدعم الفني والمؤسسي لبناء إدارة حديثة وشفافة، خصوصًا في مجالات القضاء، التعليم، والحوكمة المحلية.
كما تم الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة للتعاون الفني بين وزارتي الخارجية في البلدين، لتنسيق الدعم الأوروبي خلال الأشهر المقبلة.
3. مكافحة الإرهاب والتعاون الأمني:
بحث الجانبان سبل التعاون في مجال الأمن، خصوصًا في مكافحة خلايا داعش النائمة في البادية السورية، ومراقبة التحركات العابرة للحدود، كما أبدت باريس استعدادها لتبادل المعلومات الاستخباراتية والمساهمة في تدريب قوى الأمن الداخلي في سوريا، ضمن إطار احترام السيادة السورية.
4. قضية اللاجئين السوريين:
ناقش الطرفان التحدي الإنساني المتعلق بأكثر من 6 ملايين لاجئ سوري، خاصة في أوروبا، وأعرب الرئيس الشرع عن رغبة حكومته في تأمين عودة طوعية وآمنة لهؤلاء اللاجئين، مشددًا على وجود خطط لإعادة دمجهم داخل المجتمع السوري، اقتصاديًا واجتماعيًا.
الرئيس ماكرون من جانبه أكد على أن فرنسا لن تعيق أي تحرك من شأنه تسهيل العودة شرط توفر ضمانات حقوقية حقيقية، وتعهد بتخصيص دعم أوروبي لهذه العودة عبر مؤسسات الأمم المتحدة.
5. الرؤية الوطنية السورية لما بعد الحرب:
استعرض الرئيس الشرع أمام مضيفه الفرنسي رؤية شاملة لمستقبل سوريا، تقوم على المصالحة الوطنية، واللامركزية الإدارية، وإعادة البناء الشامل للقطاعات الحيوية، كما أوضح أن أولوية حكومته هي إعادة بناء الإنسان السوري قبل الحجر، من خلال إصلاح التعليم والرعاية الصحية وضمان كرامة المواطن.
ماكرون رحّب بهذه الرؤية، واعتبرها ناضجة وقابلة للشراكة الأوروبية، مشيرًا إلى أن “فرنسا ترى في سوريا الجديدة شريكًا ضروريًا لأمن واستقرار المتوسط”.
مخرجات وتفاهمات الزيارة
• اتفاق على إطلاق حوار استراتيجي بين سوريا وفرنسا يشمل السياسة، الاقتصاد، والثقافة.
• دعوة رسمية لوفد اقتصادي فرنسي لزيارة دمشق خلال الشهرين المقبلين.
• توقيع مذكرة تفاهم لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة في سوريا من خلال تمويل أوروبي مشترك.
• تأسيس “مجموعة الصداقة الفرنسية السورية” في البرلمان الفرنسي لدعم التعاون البرلماني.
في الختام رسائل رمزية وقيم سياسية جديدة
قبل مغادرته باريس، عقد الرئيس أحمد الشرع مؤتمرًا صحفيًا مقتضبًا عبّر فيه عن امتنانه للموقف الفرنسي الشجاع، وأكد أن سوريا تمد يدها لكل من يؤمن بالسلام، والسيادة، والاحترام المتبادل.
الزيارة وضعت حجر الأساس لعهد جديد من العلاقات السورية الأوروبية، وفتحت الباب أمام دمشق لتعزيز حضورها الدبلوماسي على الساحة الدولية، بعد سنوات من العزلة.