التيّارات الإسلاميّة: مِنَ البُنْدُقَيةِ إِلَى السِّياسِةِ
نشأت التياراتُ الإسلاميّةُ الحديثةُ في القرنِ العشرين كردّ فعلٍ على انهيارِ المؤسساتِ التقليديّة وحالة الاستعمار وغيرها، وكذلك وتدهورِ البنى السياسيّة والاجتماعيّة في العالم الإسلامي، مع محاولاتٍ لإعادةِ ربطِ الدينِ بالسياسة.
استندت بداياتُها إلى الدعوةِ الإصلاحية والمقاومةِ ضدّ الاحتلالات الأجنبية، ثم تحوّلت بعضُ الفصائل لاحقًا إلى أدواتٍ سياسيّةٍ أو مسلّحةٍ في سياقاتٍ محليةٍ وإقليميةٍ محدّدة.
وقد شهد التاريخ بالعموم صعود تنظيمات وحملات دينية عسكرية، وحملات إصلاحية وغيرها.
وعند دراسة بدايات التسليح في بعض الدول مثل البوسنة وأفغانستان فنجد أحياناً كان هناك دعم دولي وأحياناً جهود ذاتية ففي أفغانستان، يتبيّن أنّ الولايات المتحدة الأمريكية لعبت دورًا رئيسيًا في دعم هذه الفصائل، سواءً مباشرةً أو من خلال شركاءٍ إقليميين، وكان الدافع غالبًا استراتيجيًّا بحتًا، وليس دينيًّا.
فالداعمون الرئيسيون لم يكونوا مسلمين، وإنما سعوا لتحقيق أهدافهم السياسية والأمنية في المنطقة.
ومع انتشار هذه الظاهرة في العالم العربي والإسلامي، برزت لدى الشعوب مخاوفُ طبيعية تجاه هذه الحركات، نتيجة ارتباطها بالعنف والفكر الأيديولوجي المتشدّد الذي ألحق أضرارًا بمفهوم الإسلام الصحيح.
ومن هنا فقدت العديد من التيارات الإسلامية التقليدية شعبيتها وشرعيتها السياسية، كما حدث مع الإخوان المسلمين والتيارات السلفية في مراحلها المختلفة.
وفي المقابل، برزت قياداتٌ براغماتيةٌ استطاعت توجيه الفكر الإسلامي نحو مسارٍ سياسيٍّ معتدل ومتوافقٍ مع مبادئ الديمقراطية والمشاركة الشعبية، كما تجسّد ذلك في تجربة تركيا مع حزب العدالة والتنمية، الذي يجمع بين المرجعية الإسلامية واحترام النظام السياسي الديمقراطي، ما جعله نموذجًا للانتقال من حالة الخوف والفوبيا إلى الإسلام السياسي المعتدل والفعّال.
إن المشهدَ العالمي اليوم يُظهر اتّجاهًا متناميًا نحو توجيه وتأهيل الفصائل الجهادية نحو العمل السياسي، كآلية فعّالة لتفادي النزاعات الطائفية والصراعات المسلحة داخل المجتمعات.
ففي هذا العالم، يتبوّأ المفاوضون الأذكياء والمتبصرون موقع الصدارة، بينما تتراجع القوة المسلحة التي تفتقر إلى المرونة والاستعداد للحوار.
ومهما كانت خلفية أي فصيل أو جماعة متطرّفة، فإن امتلاك عقلٍ براغماتيّ وقدرةً على التكيّف مع الآخر يفتح أمامها أبواب المشاركة في الفضاء السياسي الدولي، دون إثارة مخاوف شعبية أو رفض مجتمعي.
فالواقع يُظهر أنّ الانتصارات اليوم ليست بالقدرة العسكرية أو التشدّد الأيديولوجي، بل بالذكاء السياسي، والقدرة على التفاوض، وبناء الجسور التي تؤدي إلى استقرار دائم وإعادة بناء مجتمعات سليمة.
وربما تكون سوريا صورة من هذه الصور عبر جماعات دينية لكن واكبت السياسة والعمل الوطني والعلاقات الخارجية وهذا تطور مهم في مسيرة الجماعات الدينية.
