مؤتمر الأقليات في تل أبيب.. فخٌّ إسرائيلي جديد في طريق سوريا
عُقد اليوم في تل أبيب مؤتمر للأقليات في خطوةٍ تعكس استمرار إسرائيل في توظيف الأزمات الإقليمية لخدمة مشاريعها السياسية، حيث استضافت تل أبيب ما سُمّي بـ”مؤتمر الأقليات السورية”، وهو عنوان يبدو للوهلة الأولى إنسانيًا ومنفتحًا، لكنه في جوهره يحمل مشروعًا سياسيًا بالغ الخطورة على النسيج الوطني السوري وعلى فكرة الدولة نفسها.
وهذا فخّ العناوين البراقة، حيث إسرائيل لا تستضيف مؤتمرات “إنسانية” مجانًا، ولا تفتح أبوابها لمن يناقش “حقوق الأقليات” من باب النوايا الحسنة. فهي تعرف جيدًا أن أخطر ما يهدد أي دولة هو انقسامها الداخلي، وأن الطريق الأقصر لإضعاف سوريا لا يمر عبر الحدود، بل عبر العقول التي تُغذّى بالانتماء الضيق بدل الهوية الجامعة.
إنّ الدعوة إلى مثل هذا المؤتمر تأتي في لحظة حساسة، تشهد فيها المنطقة حالة من إعادة التموضع السياسي، ومحاولات جادة لإعادة بناء العلاقات الإقليمية على أسس جديدة. وفي المقابل، تسعى إسرائيل لتثبيت فكرة “الشرق الأوسط الجديد”، حيث تتحول كل طائفة أو قومية إلى كيان سياسي مستقل، لتصبح هي – أي إسرائيل – النموذج “الشرعي” الوحيد للدولة الدينية القومية في المنطقة.
التركيز على الطائفية من خطاب الهامش إلى أداة الاختراق حين كان بعض المثقفين والوطنيين السوريين يحذّرون من الخطاب الطائفي في سنوات الحرب الأولى، ويدعون إلى تجاوز لغة الانتماءات الضيقة، وُصفوا حينها بالمثالية أو البُعد عن الواقع.
لكنّ ما نراه اليوم يثبت أن تلك التحذيرات لم تكن ترفًا فكريًا، بل رؤية استشرافية أدركت باكرًا أن أي خطاب طائفي هو جسرٌ يُبنى لعبور الآخرين إلى الداخل السوري.
فالطائفية لا تقتل فقط فكرة الدولة، بل تفتح الباب لتدخل الخارج تحت ذرائع “حماية الأقليات” أو “نصرة المظلومين”، وهو بالضبط ما يستثمره مؤتمر تل أبيب اليوم. من يسمح بزرع الخوف بين أبناء الوطن الواحد، يزرع في الوقت ذاته حاجةً زائفة إلى “الحماية” من الخارج، وهنا تبدأ المأساة.
والخلاص اليوم هو جمع البيت الداخلي فهو الطريق إلى التحصين
وهو الردّ السوري الحقيقي على هذا النوع من المؤتمرات لا يكون بالإنكار أو الغضب فقط، بل عبر هوية وطنية ومشاركة شاملة تعيد بناء الثقة بين مكوّنات المجتمع السوري كافة.
فالدولة القوية لا تُبنى بحدود جغرافية فقط، بل بتماسكٍ مجتمعيٍّ يجعل كل مواطن يشعر أنه شريك في المصير لا تابعًا أو محميًا.
إنّ جمع البيت الداخلي هو الضمانة الأولى للاستقرار، وهو الردّ الأقوى على كل محاولة إسرائيلية لتفكيك الهوية السورية أو تصويرها كمجموعة “هويات متنازعة”.
على السوريين اليوم أن يعيدوا اكتشاف ما يوحّدهم لا ما يفرّقهم. فالأمن الحقيقي يبدأ من وعي الناس بأن تنوّعهم ليس تهديدًا، بل ثروة، وأن الاختلاف لا يعني الانقسام، بل هو جزء من روح هذا البلد الذي ظلّ عبر قرون موطنًا لتنوّعٍ مذهل في الأديان والثقافات واللغات.
كما أننا أمام مسؤولية تقع على عاتق النخب والمجتمع المدني
فمن هنا، تبرز مسؤولية النخب الفكرية والسياسية والإعلامية في صياغة خطاب جديد، يتجاوز الخطاب الطائفي، ويفتح صفحة تتحدث عن “الدولة والمواطنة”.
فالخطر الحقيقي اليوم في انهيار فكرة الدولة نفسها إذا استمر اللعب بورقة الهويات، والتقسيم.
المطلوب هو خطاب وطني جامع يُعيد للناس ثقتهم بأن المستقبل يمكن أن يكون مشتركًا، وأن سوريا التي تنهض من ركامها ستكون لكل أبنائها دون استثناء.
ليست صدفة أن تستضيف إسرائيل مؤتمرًا كهذا في هذا التوقيت بالذات؛ فهي تدرك أن إعادة سوريا إلى مكانتها الإقليمية وقوتها لا يمكن أن تتم إلا عبر وحدة السوريين، وأن أيّ انقسام داخلي هو مكسب استراتيجي لها، فهي تسعى له مستفيدة من الأخطاء التي ارتكبت أو ترتكب.
لكنّ المعول اليوم على الوعي السوري الذي بدأ ينبغي يستعيد بوصلته بعد كل تلك السنوات.
وإذا كان مؤتمر تل أبيب يرفع شعار “تمثيل الأقليات”، فإن الردّ الوطني السوري يجب أن يكون: “لا أقليات في وطن واحد، ولا أكثرية إلا للوطن نفسه.”
وأن مفهوم الوطن والوطنية والعدل والمساواة هي الحصانة لسوريا
